لم يكن تاريخ اليمن الحديث، بشطريه الشمالي والجنوبي، سوى سلسلة من التجارب القاسية لحكم "المركز المقدس". سواء كانت السلطة قابعة في صنعاء أو في عدن، كانت النتيجة واحدة: مركزية مفرطة سحقت الهوامش، وأنتجت عقوداً من التعسف، والظلم، والاقتتال الأهلي.
لقد تحولت الدولة في تلك الحقب من راعٍ للمصالح العامة إلى أداة لنهب الموارد، وتكريس الفساد، وقمع الخصوم، مما أوصل البلاد إلى حالة الانفجار التي نعيش تداعياتها اليوم.
#إرث_المركزية درس التاريخ القاسي
لقد ذاق الجنوب ويلات الشمولية والمركزية الحزبية، كما تجرع الشمال مرارة المركزية القبلية والعسكرية. وفي كلتا الحالتين، كان المواطن في المحافظات البعيدة عن "المركز" هو الضحية؛ ثرواته تُنهب باسم الدولة، وقراره مصادر باسم الوحدة أو الثورة.
إن هذا الإرث الثقيل يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن إعادة إنتاج أي نظام مركزي جديد، بوجوه مختلفة، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الأزمات القديمة بصورة أكثر دموية.
#الفرصة_التاريخية عقد اجتماعي من الأسفل إلى الأعلى وسط هذا الركام، تلوح في الأفق فرصة نادرة قد لا تتكرر. إن ضعف المركز الحالي وتآكل سلطة الدولة العميقة يفتح الباب واسعاً لإعادة صياغة "#عقد_اجتماعي_جديد". عقد لا يُفرض من الأعلى، بل ينبع من القواعد.
الحل الأمثل للخروج من عنق الزجاجة يكمن في تمكين المحافظات ومنحها الحق الكامل في إدارة شؤونها إدارياً ومالياً وأمنياً.
يجب أن تمتلك كل محافظة زمام المبادرة في تنمية مواردها وخدمة أبنائها بعيداً عن وصاية المركز. ومن رحم هذه الاستقلالية، يُترك الباب مفتوحاً للمحافظات المتجاورة – وبقرار ديمقراطي حر من أبنائها – لتشكيل أقاليم أكبر إذا رأت في ذلك مصلحة مشتركة، دون إكراه أو فرض خرائط سياسية مسبقة.
هذا النموذج هو الضامن الوحيد لتفتيت احتكار السلطة والثروة الذي كان وقوداً لكل الصراعات السابقة وتحقيق امن واستقرار دائم لليمن وللمنطقة.
اليمن اليوم أمام مفترق طرق حقيقي: إما الاحتكام لصوت العقل والشروع في بناء نظام فيدرالي حقيقي عادل يضمن حق الجميع في إدارة مناطقهم وثرواتهم، وإما الانزلاق خلف سراب "المغامرات الدولية" التي تعدُ بالنصر ولكنها لا تزرع سوى بذور الفوضى والدمار المستدام.
فهل نعي الدرس قبل فوات الأوان؟
#عقد_اجتماعي_جديد
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها